تابعتُ رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي وهي تحاول تسويق مخططها لإخراج بلدها من الاتحاد الأوروبي. ولعلي أستطيع القول إن الأمر برمته عبارة عن فوضى كبرى.
وعلى هذا الجانب من المحيط، شكّلت عودةُ الرئيس دونالد ترامب إلى مواضيعه المثيرة حول «المذبحة الأميركية»، خلال الانتخابات النصفية، تذكيراً محزناً آخر بضرورة الصبر على مواقفه المثير للانقسام خلال عامين آخرين.
هذان الحدثان مترابطان جداً، على اعتبار أنه في كلتا الحالتين هناك قطاعات مهمة من الناخبين المستائين (رغم أنها لا تمثل الأغلبية) ترفض «النخبوية»، والعولمة، والأقطاب الحضرية، ومقولة وحدة المصير.. لصالح استعادة نوع من الاستقلال السابق والعظمة السيادية المتصوَّرة. وبالطبع، فإن معاداة المهاجرين مثّلت جزءاً كبيراً من هذا الخليط، لكنها ينبغي ألا تحجب عنا فكرة أن الكثير من الناخبين في الحالتين رفضوا وضعاً راهناً اعتبروا أنه لا يستجيب لاحتياجاتهم ومعتقداتهم وتفضيلاتهم الجغرافية.
وفي هذا الصدد، مثّلت مقولتا «لنجعل أميركا عظيمة من جديد» و«استعادة بلدنا»، دعوتين إلى الانعزال: اجعلوا العالم يرحل، وخاصة الأشخاص الذين لا يسكنون بالقرب منا ولا يشبهوننا، إضافة إلى الأشخاص الذين يتخذون قرارات، من دون موافقتنا، ترمينا إلى أسواق عالمية حيث نحن مضطرون للسباحة أو الغرق.
والواقع أنه من السهل على المستفيدين من الوضع الراهن رفض العودة إلى هذه الأشياء، حيث نشير إلى التحليلات الاقتصادية التي تُظهر أن الهجرة لم تؤذ مستوى معيشة الأميركيين المولودين في الولايات المتحدة، ونروِّج لفوائد الابتكار التكنولوجي و«التدمير الإبداعي»، ونحاجج بأن توسيع التجارة يمثل ربحاً خالصاً. كما تحاجج النخبُ التقدمية، التي أنا واحد منها، بأن خطاب البريكسيت إنما يهدف إلى تقسيم ائتلاف طبقة عاملة قوي يستطيع، حال توحده في صندوق الاقتراع، نقل المعركة إلى العدو الحقيقي، أي القلة القليلة جداً التي في القمة والتي ما فتئت تعمل على تزوير اللعبة من أجل مزيد من الثروة والسلطة لصالحها، بينما نحن نتقاتل حول الحدود مع كل من المكسيك وايرلندا الشمالية.
غير أن رفضنا يغفل حقيقة أساسية، وهي أن ترامب والبريكسيت قدّما للناخبين جوابا سهلا على سؤال صعب: «كيف يمكننا التأقلم مع اقتصاد صعب وعدائي؟». والجواب: «لستَ مضطراً لذلك، فأنتَ تستطيع أن تكون أفضل حالا من خلال رفضه».
وبوسع المرء رؤية خطأ هذا الجواب في كفاح المملكة المتحدة من أجل تطبيق نتائج استفتاء 2016 حول الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. فبينما يقترب الموعد الذي ينبغي فيه لبريطانيا مغادرة التكتل الأوروبي (مارس القادم)، ينهار مخطط ملموس بسبب المبدأ نفسه الذي كثيراً ما أشرتُ إليه في كتاباتي عن حمائية ترامب التجارية: لا أحد يعرف كيف يعيد عجة العولمة إلى حالتها الأولى.
في واحدة من أقدم المسرحيات السياسية، لطالما صعد شعبويون وماضويون إلى السلطة، مدّعين القدرة على إعادة فترة سابقة، مزدهرة على ما يفترض، إلى الفقراء والمهمشين والمنسيين. والنتيجة كانت تتراوح بين الإنهاك الاقتصادي والانهيار وحروب عالمية وإبادات جماعية. ولئن كانت أي من هذه النتائج لم تطل المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة بالطبع، فإنا نشهد صعود انعدام التسامح الديني والعرقي على شكل حركات عنصرية تتخذ من العنف سبيلا وتحرّض عليه.
غير أن ثمة جوابا أفضل بكثير، أو بالأحرى أكثر واقعية وإنصافاً: إن الطريقة الوحيدة للتأقلم بنجاح مع اقتصاد معولم لا تكمن في محاولة إعادة عجة البيض إلى حالتها الأولى، وإنما في الحرص على نيل كل واحد حصته منها.
ومثلما يتعين على الطبقة العاملة أن تتبنى التضامن عبر الأعراق، يتعين على الطبقة السياسية أن تنتبه إلى حقيقة أنه في غياب جهود متساوية لحماية المتضررين من الوضع الراهن، فإن الحلول السهلة، مثل «ترامب» و«البريكسيت»، ستستمر في الظهور. ولأن هذه الأجوبة خاطئة أساساً، فإنها ستفشل في معالجة مظاهر انعدام العدالة وانعدام المساواة المتفشية، وما أدت إليه من نتائج مأساوية عبر التاريخ. لذا سيكون من مصلحة الجميع عدم الاكتفاء بتقديم الجواب الصحيح فحسب، وإنما بدء العمل من أجل تحقيقه وتحويله إلى واقع.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
وعلى هذا الجانب من المحيط، شكّلت عودةُ الرئيس دونالد ترامب إلى مواضيعه المثيرة حول «المذبحة الأميركية»، خلال الانتخابات النصفية، تذكيراً محزناً آخر بضرورة الصبر على مواقفه المثير للانقسام خلال عامين آخرين.
هذان الحدثان مترابطان جداً، على اعتبار أنه في كلتا الحالتين هناك قطاعات مهمة من الناخبين المستائين (رغم أنها لا تمثل الأغلبية) ترفض «النخبوية»، والعولمة، والأقطاب الحضرية، ومقولة وحدة المصير.. لصالح استعادة نوع من الاستقلال السابق والعظمة السيادية المتصوَّرة. وبالطبع، فإن معاداة المهاجرين مثّلت جزءاً كبيراً من هذا الخليط، لكنها ينبغي ألا تحجب عنا فكرة أن الكثير من الناخبين في الحالتين رفضوا وضعاً راهناً اعتبروا أنه لا يستجيب لاحتياجاتهم ومعتقداتهم وتفضيلاتهم الجغرافية.
وفي هذا الصدد، مثّلت مقولتا «لنجعل أميركا عظيمة من جديد» و«استعادة بلدنا»، دعوتين إلى الانعزال: اجعلوا العالم يرحل، وخاصة الأشخاص الذين لا يسكنون بالقرب منا ولا يشبهوننا، إضافة إلى الأشخاص الذين يتخذون قرارات، من دون موافقتنا، ترمينا إلى أسواق عالمية حيث نحن مضطرون للسباحة أو الغرق.
والواقع أنه من السهل على المستفيدين من الوضع الراهن رفض العودة إلى هذه الأشياء، حيث نشير إلى التحليلات الاقتصادية التي تُظهر أن الهجرة لم تؤذ مستوى معيشة الأميركيين المولودين في الولايات المتحدة، ونروِّج لفوائد الابتكار التكنولوجي و«التدمير الإبداعي»، ونحاجج بأن توسيع التجارة يمثل ربحاً خالصاً. كما تحاجج النخبُ التقدمية، التي أنا واحد منها، بأن خطاب البريكسيت إنما يهدف إلى تقسيم ائتلاف طبقة عاملة قوي يستطيع، حال توحده في صندوق الاقتراع، نقل المعركة إلى العدو الحقيقي، أي القلة القليلة جداً التي في القمة والتي ما فتئت تعمل على تزوير اللعبة من أجل مزيد من الثروة والسلطة لصالحها، بينما نحن نتقاتل حول الحدود مع كل من المكسيك وايرلندا الشمالية.
غير أن رفضنا يغفل حقيقة أساسية، وهي أن ترامب والبريكسيت قدّما للناخبين جوابا سهلا على سؤال صعب: «كيف يمكننا التأقلم مع اقتصاد صعب وعدائي؟». والجواب: «لستَ مضطراً لذلك، فأنتَ تستطيع أن تكون أفضل حالا من خلال رفضه».
وبوسع المرء رؤية خطأ هذا الجواب في كفاح المملكة المتحدة من أجل تطبيق نتائج استفتاء 2016 حول الانسحاب من الاتحاد الأوروبي. فبينما يقترب الموعد الذي ينبغي فيه لبريطانيا مغادرة التكتل الأوروبي (مارس القادم)، ينهار مخطط ملموس بسبب المبدأ نفسه الذي كثيراً ما أشرتُ إليه في كتاباتي عن حمائية ترامب التجارية: لا أحد يعرف كيف يعيد عجة العولمة إلى حالتها الأولى.
في واحدة من أقدم المسرحيات السياسية، لطالما صعد شعبويون وماضويون إلى السلطة، مدّعين القدرة على إعادة فترة سابقة، مزدهرة على ما يفترض، إلى الفقراء والمهمشين والمنسيين. والنتيجة كانت تتراوح بين الإنهاك الاقتصادي والانهيار وحروب عالمية وإبادات جماعية. ولئن كانت أي من هذه النتائج لم تطل المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة بالطبع، فإنا نشهد صعود انعدام التسامح الديني والعرقي على شكل حركات عنصرية تتخذ من العنف سبيلا وتحرّض عليه.
غير أن ثمة جوابا أفضل بكثير، أو بالأحرى أكثر واقعية وإنصافاً: إن الطريقة الوحيدة للتأقلم بنجاح مع اقتصاد معولم لا تكمن في محاولة إعادة عجة البيض إلى حالتها الأولى، وإنما في الحرص على نيل كل واحد حصته منها.
ومثلما يتعين على الطبقة العاملة أن تتبنى التضامن عبر الأعراق، يتعين على الطبقة السياسية أن تنتبه إلى حقيقة أنه في غياب جهود متساوية لحماية المتضررين من الوضع الراهن، فإن الحلول السهلة، مثل «ترامب» و«البريكسيت»، ستستمر في الظهور. ولأن هذه الأجوبة خاطئة أساساً، فإنها ستفشل في معالجة مظاهر انعدام العدالة وانعدام المساواة المتفشية، وما أدت إليه من نتائج مأساوية عبر التاريخ. لذا سيكون من مصلحة الجميع عدم الاكتفاء بتقديم الجواب الصحيح فحسب، وإنما بدء العمل من أجل تحقيقه وتحويله إلى واقع.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»